international-humantarian-banner.jpg

مكافحة تمويل الإرهاب

humanitarian-law-img1.jpg

عبدالرحمن التركيت

بدأت مهام وزارة الخارجية بدولة الكويت، بالإشراف على النشاط الخارجي للمؤسسات الإنسانية الكويتية الحكومية والمنظمات غير الحكومية، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر في عام 2001، نتيجة المخاوف التي ساورت المجتمع الدولي من استغلال الجماعات الإرهابية لأموال الأعمال الإنسانية والخيرية في تمويل أنشطتها، الأمر الذي دفع لاحقا بمجموعة العمل المالي (FATF)، بأن تفرد توصية خاصة ضمن توصياتها الأربعين، حول ضرورة تحصين الكيانات غير الهادفة للربح من الاستغلال.

ومنذ استقلال دولة الكويت كانت ومازالت سياستها الخارجية، تهتم بتعزيز و ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، لارتباطهما في الأمن والسلم الإقليمي والوطني، وفي ضوء تظافر الجهود الدولية الرامية إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب وغسل الأموال، والتزاما من دولة الكويت بالمعاهدات الدولية التي صادقت عليها، وبقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، أصدر مجلس الوزراء الكويتي الموقر في أكتوبر من عام 2001 قراره رقم 867/ثانيا، كلف بموجبه وزارة الخارجية وجهات حكومية أخرى ، بالعمل على اتخاذ كافة التدابير لتحصين العمل الإنساني الكويتي، وضمان عدم استغلاله في تمويل أي أعمال إرهابية، والعمل على تعزيز دوره في بناء الأمن والسلم الدوليين، وتنسيق جهوده وإبرازها، للمحافظة على ريادة العمل الإنساني الكويتي دوليا، والذي يعتبر أحد أدوات قوتنا الناعمة.

ومنذ ذلك الحين بدأت وزارة الخارجية (إدارة المتابعة والتنسيق والتي أصبحت فيما بعد شؤون التنمية والتعاون الدولي)، الجهة المختصة بالإشراف على النشاط الإنساني الكويتي في الخارج، من خلال البعثات الدبلوماسية الكويتية حول العالم، ودشنت وزارة الخارجية مهامها الجديدة غير المسبوقة في عملية الإشراف على العمل الإنساني في الخارج، من خلال الاطلاع على التقارير المالية والإدارية، وتقارير تنفيذ المشاريع والأنشطة، ومعرفة مصادرها و مقاصدها وأوجه صرفها، كما حرصت الوزارة على عقد لقاءات دورية مع القائمين على المؤسسات الإنسانية الكويتية، بهدف بيان الأبعاد السياسية والمستجدات الدولية المتعلقة بالعمل الإنساني، ومناقشة مشاغل الجهات الرقابية المحلية والدولية حول ضرورة بذل المزيد من الجهود في مجال تنظيم العمل الخيري لتحصينه والناي به عن الشبهات، كما شاركت الوزارة في عدة زيارات ميدانية للإطلاع على المشاريع المنفذة، و لقاء الجهات الإشرافية والشريكة في الدول التي ينشط بها العمل الإنساني الكويتي، بغية التعرف على مرئياتهم حيال أعمال مؤسساتنا وسبل تحصينها، وتحسين اثر إسهاماتها الإنسانية والتنموية في بلدانهم.

علاوة على ذلك، شاركت وزارة الخارجية في عضوية عدد من اللجان الحكومية المعنية في إقرار المساعدات والمنح الخارجية للمنظمات غير الحكومية، كما أصبحت عضواً في لجنة تنظيم العمل الإنساني والخيري التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي شُكلت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وذلك في إطار العمل مع كافة الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة، للنأي بالعمل الإنساني الخيري الكويتي، عن أي شبهات من شأنها المساس بدولة الكويت وسمعتها الدولية.

humanitarian-law-img2.jpg

عبدالرحمن التركيت

وبعد مرور عقد من الزمن على مهام وزارة الخارجية في هذا المجال، وبعد أن تنامت خبراتها وتوسعت مجالات معرفتها المتعلقة بواقع العمل الإنساني وبأبعاده المحلية والدولية، دشنت وزارة الخارجية مرحلة جديدة من عملها في هذا الإطار تهدف إلى رفع مستوى تحصين العمل الإنساني الكويتي إلى آفاق جديدة، أتت نتيجة تداعيات ما يسمى بأحداث الربيع العربي في أواخر عام 2010، والتي أسفرت عن ظهور جماعات إرهابية مسلحة في المنطقة، وتفاعلا مع هذه المتغيرات بدأت وزارة الخارجية منذ يناير 2014، العمل على وضع ضوابط جديدة تنظم من خلالها علاقة الشراكة والتعاون بين الجهات الكويتية الإنسانية المانحة، بالجهات الأجنبية المتلقية للتبرعات، سواء كانت هذه الأعمال إغاثية عاجلة أو تنموية طويلة المدى، فألزمت وزارة الخارجية كافة الجهات الكويتية الإنسانية المانحة، بموجب ولايتها التي مُنحت لها وفق قرار مجلس الوزراء آنف الذكر، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمكافحة تمويل الإرهاب، بعدم السماح لاي جهة كويتية مانحة حكومية أو غير حكومية، بتمويل أي جهة خارجية أو التعاون معها، ما لم تكن هذه الجهات الأجنبية استوفت شروط الاعتماد لدى وزارة الخارجية بدولة الكويت، وساهمت هذه الضوابط التي وضعتها وزارة الخارجية منذ يناير من عام 2014، بغربلة الجهات الأجنبية الراغبة بالتعاون مع الجهات الكويتية المانحة، وحصنت العمل الإنساني الكويتي والقائمين عليه، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات والتدابير الرامية إلى التحقق من أهليتها لضمان وصول هذه المساعدات للجهات المشروعة، وتخضع هذه الضوابط للمراجعة والتقييم والتطوير بشكل دوري، لتواكب المستجدات والمتغيرات على الساحة الدولية، ومعالجة أية ثغرات يمكن للجماعات الإرهابية من إستغلالها من خلال كياناتها التي قد تظهر وكأنها كيانات مشروعة، أو إعادة توجيه الأموال سرا لمنظمات إرهابية.

ونتيجة لتدهور الأوضاع الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط، وما تزامن معها من نمو ضخم لنشاط العمل الإغاثي الكويتي، استجابةً للوضع الإنساني في الدول المنكوبة والمجاورة لها المستضيفة للاجئين، وبغية تعزيز الدور الرقابي لوزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية، بما يتماشى مع حجم العمل الإنساني المستجد، فضلا عن توفير الدعم والحماية للمؤسسات الكويتية الإنسانية للقيام بدورها الإنساني الرائد، دشنت وزارة الخارجية في أغسطس من عام 2015 المرحلة الأولى للمنظومة الإلكترونية للعمل الإنساني والتي أصبحت تعرف الآن بـ "منصة بَيان"، لتسجيل كافة الجهات الأجنبية بها، للتحقق من أهليتها واستيفائها شروط الاعتماد لدى وزارة الخارجية، لمواصلة مهامها في تحصين العمل الإنساني الكويتي والقائمين عليه، وتلا ذلك وبشكل سنوي تطوير لهذه المنصة الإلكترونية عبر إضافة منصات فرعية تلبي احتياجات وزارة الخارجية الرقابية وبعثاتها الدبلوماسية، بالإضافة إلى تنظيم وتسهيل أعمال مؤسساتنا الإنسانية في الخارج، حيث تم إضافة منصة فرعية للتنسيق بين المانحين حيال طلبات الدعم والمساعدة التي تتلقاها الجهات الكويتية المانحة، لمنع الازدواجية في تقديم التبرعات، و منصة فرعية أخرى (المسافر الآمن) لتقديم الدعم والحماية في حالات الطوارئ للموفدين من المؤسسات الإنسانية خلال فترة تواجدهم بالخارج، وأخيرا منصة تتبع مسار التحويلات المالية بين الجهة المانحة بدولة الكويت و الجهات الأجنبية المتلقية لهذه التبرعات المالية. ولعل الجدير بالتنويه في الختام، أن كل هذه الجهود التي تم بيانها حول مكافحة تمويل الإرهاب، تسلط الضوء فقط على جانب واحد لدور وزارة الخارجية في مجال تحصين العمل الإنساني الكويتي، ولا يغطي كامل وبقية جهود وزارة الخارجية والجهات الحكومية الأخرى المعنية في مكافحة الإرهاب وتمويله وغسل الأموال.