human-rights-banner.jpg

حقوق الإنسان

human-rights-img1.jpg

عبدالرحمن التركيت

العمل الإنساني لا يمكن له العمل بمعزل عن مفهوم وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، فالمحافظة على كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية في أوقات السلم والحرب، هي الغاية الأسمى للعمل الإنساني، ويمكن لنا قياس أثر أي عمل إنساني، من خلال التعرف على مدى تعزيزه لحقوق الإنسان الأساسية، وخاصة تلك الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاها من صكوك دولية ذات الصلة، والتي كونت مجتمعة ما يعرف في القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي يطبق في حالات السلم والحرب، وأما القانون الدولي الإنساني والذي يتكون من اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية، فهو يطبق فقط في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، وكذلك قانون اللاجئين الذي يعرف باتفاقية جنيف لسنة 1951، فكل تلك الصكوك الدولية، التي حرص المجتمع الدولي على وضعها، تسعى لتحقيق غاية سامية وهي صون الكرامة الإنسانية، لذلك نرى بأن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يمثلان مجموعتان من القواعد القانونية الدولية ترتبطان بعلاقة تكاملية تهتم في ترسيخ حماية الإنسان وحفظ كرامته الى جانب تكريس قيم التعايش والتسامح بين كافة الأفراد دون تمييز لتحقيق الغاية المتمثلة في الأمن والسلام والاستقرار.

لذلك نرى في حالات الطوارئ لأي أزمة إنسانية سواءً ناجمة عن نزاع مسلح أو كارثة طبيعية، تدخّل العمل الإنساني عبر المساعدات الإغاثية العاجلة، كأحد السبل التطبيقية لحماية الحق الأول والأساسي الذي تقوم عليه كافة الحقوق الإنسانية الأساسية الأخرى، ألا وهو الحق في الحياة والأمان كما ورد في المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لذا نرى بأن موضوع توفير الحماية للضحايا والمنكوبين في الأزمات الإنسانية، يتصدر على بقية القطاعات الإنسانية الرئيسية الأخرى في حالات الطوارئ، حيث يتداعى المجتمع الدولي لحشد كافة جهوده لتكريس الحق في الحياة، إذ تعتبر الأنشطة الإنسانية المنقذة للحياة والتي توفر الحماية كثيرة ومتشعبة وتحظى بأولوية لدى الجهات الإنسانية الفاعلة والمانحين على حدٍّ سواء، ومن جملة الأنشطة الإنسانية الرئيسية في حالات الطوارئ توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والمياه والإصحاح البيئي ورعاية الأطفال ومعالجة سوء التغذية

human-rights-img2.jpg

عبدالرحمن التركيت

وبعد انتهاء العمليات الإنسانية العاجلة في المرحلة الأولى لأي أزمة، تستمر جهود العمل الإنساني من أجل جبـر الضرر الذي أصاب الانسان من خلال تعزيز واحترام حقوق الإنسان وصون الكرامة الإنسانية، في مرحلة ثانية تركز على دعم استقرار المناطق المنكوبة والمتضررة للحد من حالات النزوح القسري من خلال تعزيز سبل العيش الكريم، وإعادة تأهيل الضحايا نفسيا واجتماعيا، وتوفير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وخلق فرص العمل، والتي تنسجم جميعها مع جملة من مبادئ حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كالحق في تكوين أسرة وحمايتها، والحق في التعليم، والحق في العمل والحماية من البطالة، والحق في التمتع بمستوى معيشي يكفي لضمان الصحة. وتأتي التنمية في المرحلة الثالثة من مسار العمل الإنساني، لدعم تعزيز الاستقرار من خلال بناء السلام، عبر تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة تختلف بطبيعتها وأثرها عما تم تنفيذه في المرحلتين السابقتين والتي تهدف إلى بلوغ هذه المجتمعات مرحلة الاكتفاء الذاتي، ونقلها إلى مستوى معيشي يكفي لضمان تمتعها بحقوقها في مجال العمل والصحة والرفاهية، فيقوم العمل الإنساني في هذه المرحلة ببناء قدرات هذه المجتمعات وتعزيز مهارات سكانها، ليعالج من خلالها جذور التوتر والعنف في المجتمع وإرساء قواعد السلام، ويعود به إلى ركب تحقيق التنمية المستدامة.

وما يميز العمل الإنساني الكويتي، أنه يرتكز على قيم إنسانية وأخلاقية مترسخة ومتجذرة في وجدان الشعب الكويتي، مستلهمين ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومن توجيهات قيادتنا الرشيدة، والشواهد على ذلك عديدة في تاريخ الكويت، فالعمل الإنساني الكويتي يساهم في دعم الاستقرار، وبناء السلام، وتحقيق التنمية المستدامة، كما لا يحمل في طياته أية أجندات سياسية، ويستهدف كافة أطياف الشعوب المنكوبة والمتضررة، دون تمييز بين عرق أو دين أو طائفة، فحيادية العمل الإنساني الكويتي، أكسبته قبولا عالميا، ونرى ثمار ذلك من خلال التسهيلات التي تقدمها حكومات الدول الصديقة والشقيقة للمؤسسات الإنسانية الكويتية، وتمكينها من النفاذ والوصول للمتضررين في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، وهذا النهج الذي يتبناه العمل الإنساني الكويتي الحكومي والأهلي، متسق تماما مع المبادئ الإنسانية الدولية والصكوك الدولية ذات الصلة في حقوق الإنسان.